رد: القضية الكردية
التقاطع القومي
حظيت القضية الكردية بأهمية لتوزعها على أربع دول في المنطقة وللأهمية الجيوسياسية الإستراتيجية والاقتصادية خصوصاً بوجود النفط إضافة إلى كونها تحفل بصراعات قومية ودينية وبمشاكل إثنية وعرقية غير قليلة تؤثر على دول المنطقة وعلى المصالح الإقليمية والدولية.
وخلال النظر إلى القضية الكردية بتاريخها يبرز اتجاهان أساسيان: الأول يرجح الحل العسكري، وتعود جذور هذا التيار الذي ينتمي إلى المدرسة القومية التقليدية إلى بعض النزعات الاستعلائية والتنكر لحقوق الشعب الكردي. ويقابل هذا الاتجاه أو يكون أحيانا رد فعل له ضيق الأفق القومي لدى بعض التوجهات الكردية واستعدادها للتحالف مع قوى معادية للبلاد (لاسيما في حالة العراق) وفي ظروف ملتبسة على أمل الحصول على بعض المكاسب.
والاتجاه الثاني هو الذي انتشر على المستوى الشعبي (في العراق بشكل خاص) ويدعو إلى اعتماد الحل السلمي للقضية الكردية والاعتراف بحقوق الشعب الكردي
وشراكته في الوطن سواء عن طريق الحكم الذاتي أو من خلال شكل من أشكال الفيدرالية أو أية صيغة تضمن هذه الحقوق.
وكانت الورقة الكردية جاهزة على الدوام لـ"اللعب والاستثمار" من جانب القوى الدولية والإقليمية، ولم يكن ذلك بعيداً عن المخططات الإمبريالية والصهيونية، فالقضية الكردية إضافة إلى كونها نزاعاً داخلياً في تركيا وإيران والعراق بالدرجة الرئيسية فإنها مصدر خلاف وصراع وتحريك بينها، وكانت بالقدر نفسه مصدر اتفاق ومساومة وصفقات بين الحكومات التي يجمعها قاسم مشترك أعظم هو التنكر للحقوق القومية للشعب الكردي وظلت بؤرة ساخنة وعامل قلق دائم.
فبعد فشل الانتفاضة الكردية في العراق إبان الحرب العالمية الثانية انتقل بعض الكرد العراقيين للقتال إلى جانب الكرد الإيرانيين عند قيام جمهورية مهاباد عام 1946 ومن المفارقات أن يكون الحكم قد صدر بالإعدام في كل من العراق وإيران على الملا مصطفى البارزاني الذي التجأ إلى الاتحاد السوفياتي، ولم يلغِ هذا الحكم عن البارزاني إلا بعد عودته إلى العراق عام 1958، واستمر الحكم عليه في إيران حتى عام 1968 رغم قيام بعض الاتصالات بين الحركة الكردية في العراق ونظام الشاه قبل هذه الفترة.
وكان لإقرار "شراكة العرب والكرد في الوطن العراقي" وتحقيق بعض المنجزات القانونية والإدارية للشعب الكردي أثره في استنهاض الشعور القومي الكردي في كل من إيران وتركيا. وقد سارعت إيران بعد اندلاع الحركة المسلحة في كردستان العراق إلى الاتصال بقيادتها منذ عام 1962 كما تقول وثيقة باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني (حدك) أثناء احتدام الخلافات عام 1979.
وعند إعلان بيان 11 مارس/آذار 1970 الذي هو بمثابة اتفاق بين الحكومة العراقية والثورة الكردية على إنهاء القتال ووضع أسس حل سلمي، لم تكن إيران مرتاحة من تثبيت بعض الحقوق الكردية خصوصاً أن العلاقات الإيرانية العراقية كانت على درجة عالية من التوتر حيث أقدمت إيران من طرف واحد على إلغاء معاهدة عام 1937 العراقية الإيرانية بخصوص تنظيم الحدود خلافاً للقانون الدولي، وهو ما كرره النظام السابق في العراق حين مزق اتفاقية 6 مارس/آذار لعام 1975 في 17 سبتمبر/أيلول 1980 عشية الحرب العراقية الإيرانية.
وفي أواسط الثمانينات خصوصا في ظل الاحتراب الكردي – الكردي العراقي وفي ظروف الحرب العراقية- الإيرانية انقسمت الحركة الكردية العراقية، فالحزب الديمقراطي الكردستاني (حدك) تعاون مع إيران، في حين تعاون الاتحاد الوطني الكردستاني (اوك) مع الحكومة العراقية خصوصا عشية وبُعيد مجزرة بشتاشان 1983 ضد الأنصار الشيوعيين في كردستان.
ومن المفارقة إن قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني استعانت بالحكومة العراقية عام 1996 لاستعادة أربيل من الاتحاد الوطني الكردستاني الذي كان يتعاون مع إيران في تلك الفترة، بما يؤكد فكرة تلاعب القوى الإقليمية والدولية بالقضية الكردية ومحاولة استغلالها، واضطرار القيادات الكردية، خصوصا بإصرار الحكومات العراقية على عدم تلبية مطالب الشعب الكردي المشروعة، لمثل هذا التعاون الذي يلحق ضرراً بليغاً به وبقضيته وبمستقبل علاقاته بجيرانه وخصوصاً العرب بشكل عام وعرب العراق بشكل خاص.